فصل: مقتل قدرخان صاحب سمرقند

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  وفاة آيلك خان وولاية أخيه طغان خان

ثم هلك آيلك خان سنة ثلاث وأربعمائة وكان موالياً للسلطان محمود ومظاهراً له على أخيه طغان خان‏.‏فلما ولي تجدد ما بينه وبين السلطان من الولاية وصلحت الأحوال وأنمحت آثار الفتنة في خراسان وما وراء النهر‏.‏

  وفاة طغان خان وولاية أخيه أرسلان خان

ثم توفي طغان خان ملك الترك سنة ثمان وأربعمائة بعد أن كان له جهاد مع أمم من الترك خرجوا من الصين في زهاء ثلاثمائة ألف وقصدوا بلاده في ساغون وهال المسلمون أمرهم فاستنفر طغان طوائف المسلمين وغيرهم واستقبلهم فهزمهم وقتل منهم نحو مائة ألف وأسر مثلها ورجع الباقون منهزمين‏.‏ومات طغان أثر ذلك وولي بعده أخوه ارسلان‏.‏وكان من الغريب الدال على قصد أيمان طغان أنه كان عند خروج الترك إلى بلاد ساغون عليلاً فلما بلغه الخبر تضرع لله أن يعافيه حتى ينتقم من هؤلاء الكفرة ويدفعهم عن البلاد فاستجاب الله دعاءه‏.‏وكان محباً لأهل العلم والدين‏.‏ولما توفي واصل ارسلان خنان الولاية مع السلطان محمود وأصهر إلى ابنه مسعود في بعض كرائمه فاستحكم الاتصال بينهما‏.‏

  انتقاض قراخان على ارسلان وصلحه

كان ارسلان خان قد ولي على سمرقند قراخان يوسف بن بقراخان هارون الذي ملك بخارى فانتقض عليه سنة تسع وأربعمائة وكاتب السلطان محمود صاحب خراسان يستظهر به على ارسلان خان فعقد السلطان على جيحون جسراً من السفن محكمة الربط بسلاسل الحديد وعبر إليه‏.‏ثم خام عن لقائه فعاد إلى خراسان وانقطعت الموالاة بينه وبين ارسلان خان وتصالح مع قراخان واتفقا على محاربة السلطان محمود والمسير إلى بلاده فسار إلى بلخ وقاتلهما السلطان قتالاً شديداً حتى انهزم الترك وعبروا النهر إلى بلادهم‏.‏وكان من غرق أكثر ممن نجا وعبر السلطان في أثرهم ثم رجع عنهم‏.‏أخبار قراخان الذي يظهر من كلام ابن الأثير‏:‏ أن قراخان ولي بلاد الترك بتركستان وساغون فإنه ذكره عقب هذا الخبر بالعدل وحسن السيرة وكثرة الجهاد‏.‏ثم قال عقب كلامه‏:‏ فمن فتوحاته ختن بين الصين وتركستان وهي كثيرة العلماء والفضلاء‏.‏ثم قال‏:‏ وبقي كذلك إلى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة فتوفي فيها‏.‏ولما توفي خلف ثلاثة بنين‏:‏ أرسلان خان وكنيته أبو شجاع ولقبه شرف الدولة وبقراخان ولم يذكر الثالث‏.‏والظاهر أنه شرف الدولة‏.‏قال‏:‏ وكان لأرسلان كاشغر وختن وساغون وخطب له على منابرها وكان عادلاً مكرماً للعلماء وأهل الدين محسناً لهم وقصد كثير منهم فأكرمهم‏.‏قال‏:‏ وكان لبقراخان طراز وأسفيجاب‏.‏ووقعت الفتنة بين بقراخان وارسلان فغلبه بقراخان وحبسه وملك بلاه‏.‏وقال في موضع آخر‏:‏ كان يقنع من أخوته وأقاربه بالطاعة فقسم البلاد بينهم أعطى أخاه أرسلان تكين كثيراً من بلاد الترك وأعطى أخاه طراز وأسفيجاب وأعطى مه طغان خان فرغانة بأسرها وأعطى ابنه علي تكين بخارى وسمرقند وغيرهما‏.‏وقنع هو ببلاد ساغون وكاشغر‏.‏قال‏:‏ وفي سنة خمس وثلاثين أسلم كثير من كفار الترك الذي كانوا يطرقون بلاد الإسلام بنواحي ساغون وكاشغر ويعيشون فيها ويصيفون ببلاد بلغار فأسلموا وافترقوا في البلاد وبقي من لم يسلم التتر والخطا في نواحي الصين انتهى‏.‏ورجع إلى بقراخان أول وقال فيه‏:‏ حبس أخاه ارسلان خان وملك بلاده ثم عهد بالملك لولده الأكبر واسمه حسين جعفر تكين‏.‏وكان له ولد آخر أصغر من حسين اسمه إبراهيم فغارت أمه لذلك وقتلت بقراخان بالسم وخنقت أخاه ارسلان في محبسه‏.‏ثم استلحمت وجوه أصحابه وأمرائه وملكت ابنها إبراهيم سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وبعثته في العساكر إلى برسخان مدينة بنواحي تركستان وكان صاحبها يسمى نيال تكين‏.‏فانهزم إبراهيم وظفر به نيال تكين وقتله‏.‏واختلف أولاد بقراخان وفسد أمرهم وقصدهم طقفاج خان صاحب سمرقند وفرغانة فأخذ من أولاد بقراخان الملك من أيديهم‏.‏

  الخبر عن طقفاج خان وولده

كان بسمرقند وفرغانة أيام بني بقراخان وأخوته ملك من الترك الخانية اسمه نصر آيلك ويلقب عماد الدولة ويكنى أبا المظفر‏.‏ثم فلج سنة إثنتين وأربعمائة ومات وقد عهد بملكه لإبنه شمس الدولة نصر فقصد أخوه طغان خان بن طقفاج وحاصره بسمرقند وبيته شمس الدولة فهزمه وظفر به‏.‏وكان ذلك في حياة أبيهما‏.‏ثم جاء بعد مماته إلى محاربة شمس الدولة بقراخان هارون بن قدرخان يوسف وطغرك خان وكان طقفاج قد استولي على ممالكه وحاصره بسمرقند ولم يظفروا به ورجعوا عنه‏.‏وصارت أعمال الخانية كلها في أيديهما والأعمال المتاخمة لسبحون لشمس الدولة والتخم بينهما خجنده‏.‏وكان السلطان ألب أرسلان قد تزوج بابنه قمرخان وكانت قبله زوجاً لمسعود بن محمود بن سبكتكين‏.‏وتزوج شمس الدولة بابنه ألب أرسلان شمس الملك وذلك سنة خمس وستين‏.‏وملكها ونقل ذخائرها إلى سمرقند‏.‏وخاف أهل بلخ منه فاستأمنوا إليه وخطبوا له فيها لأن أرباس ألب أرسلان سار إلى الجوزجان وجاء إليها التكين وولي عليها وعاد إلى ترمذ فثار أهل بلخ بأصحابه وقتلوهم فرجع إليهم وأمر بإحراق المدينة ثم عفا عنهم وصادر التجار‏.‏وبلغ الخبر إلى ألب أرسلان فعاد من الجوزجان وسار في العساكر إلى ترمذ في منتصف سنة خمس فلقيه التكين وهزمه وغرق كثير من أصحابه في النهر‏.‏ثم استقامت الأمور للسلطان ملك شاه فسار إلى ترمذ سنة ست وستين وحاصرها ورماها بالمنجنيق رطم خندقها حتى استأمن أهلها واعتصم بقلعتها أخو التكين‏.‏ثم استأمن وأطلقه السلطان إلى أخيه‏.‏ثم سار ملك شاه إلى سمرقند ففارقها وبعث أخوه السلطان في الصلح فأجابه ورده إلى سمرقند‏.‏ورجع السلطان إلى خراسان انتهى‏.‏قال ابن الأثير‏:‏ ثم مات شمس الدولة وولي بعده أخوه خضر خان‏.‏ثم مات خضر خان فولي بعده ابنه أحمد خان‏.‏وكان أحمد هذا أسره ملك شاه في سمرقند لما فتحها ووكل به جماعة من الديلم فلقن عنهم معتقدات الإباحة والزندقة‏.‏فلما ولي أظهر الإنحلال فاعتزم جنده على قتله وتفاوضوا في ذلك مع نائبه بقلعة قاشان فأظهر العصيان عليه فسار في العساكر وحاصر القلعة‏.‏وتمكن جنده منه فقبضوا عليه ورجعوا به إلى سمرقند فدفعوه إلى القضاة قال ابن الأثير‏:‏ وكان جده من ملوكهم وكان أصم‏.‏وقصده طغان خان بن قراخان صاحب طراز فقتله واستولي على الملك وولي على سمرقند أبا المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي فوليها ثلاث سنين‏.‏ثم عصي عليه فحاصره وأخذه فقتله‏.‏ثم خرج طغان خان إلى ترمذ فلقيه السلطان سنجر وظفر به وقتله وأخذها منه عمر خان‏.‏وملك سمرقند ثم هرب من جنده إلى خوارزم فظفر به السلطان أحمد‏.‏وولي سمرقند محمد خان وولي بخارى محمد تكين‏.‏وقال ابن الأثير في ذكر كاشغر وتركستان‏:‏ إنها كانت لأرسلان خان بن يوسف قدرخان كما ذكرنا‏.‏ثم صارت لمحمود نوراخان صاحبا طراز والشاش فملكها سنة وثلاثة أشهر ثم مات فولي بعده طغراخان ابن يوسف قدرخان وملك بلاد ساغون وأقام ست عشرة سنة‏.‏ثم توفي فملك ابنه ظغرل تكين شهرين ثم جاء هارون بقراخان بن طقفاج نورخان وهو أخو يوسف طغرك خان فملك كاشغر وقبض على هارون واستولي على ختن وما يتصل به إلى ساغور وأقام عشرين سنة وتوفي سنة ست وتسعين وأربعمائة فولي بعده محمد بن أرسلان خان وبعث إليه المستظهر بالخلع ولقبه نور الدولة‏.‏

  مقتل قدرخان صاحب سمرقند

قال ابن الأثير سنة خمس وتسعين وأربعمائة‏:‏ ولما سار سنجر إلى بغداد مع أخيه السلطان محمد طمع قدرخان جبريل بن عمر صاحب سمرقند في خراسان فخالف إليها سنجر بعد رجوعه إليها وقد عظم الخلاف بين بركيارق وأخيه محمد‏.‏وكان بعض أمراء سنجر اسمه كنذعري يكاتب قدرخان ويغريه ويستحثه إلى البلاد فسار قدرخان إلى بلخ سنة سبع وتسعين في مائة ألف‏.‏وبادر سنجر إليها في ستة آلاف فلما تقاربا لحق كنذعري بقدرخان فبعثه إلى ترمذ وملكها‏.‏وجاء الخبر إلى سنجر بأن قدرخان نزل قريباً من بلخ وأنه خرج متصيداً في ثلاثمائة فارس فجرد إليه عسكراً مع أميره برغش فهزمهم وجاء بكنذعري وقدرخان أسيرين‏.‏وقيل إنه وقع بينهما مصاف وانهزم قدرخان وأسر فقتله سنجر وسار إلى ترمذ فحاصرها حتى استأمن إليه كنذعري فأمنه ولحق بغزنة‏.‏وكان محمد أرسلان خان بن سليمان بن داود بقراخان نازلاً بمرو فبعث عنه السلطان سنجر وولاه على سمرقند وهو من نسل الخانية مما وراء النهر وأمه بنت السلطان سنجر وولي ملك شاه دفع عن ملك آبائه فقصد مرو وأقام بها فلما قتل قدرخان ولاه سنجر أعماله وبعث معه العساكر الكثيرة فاستولي عليها واستفحل ملكه‏.‏ثم انتقض عليه من أمراء الترك تيمورلنك وجمع وسار إلى محمد خان بسمرقند وغيرها فاستنجد محمد خان بالسلطان سنجر فأنجده بالعساكر وسار إلى تيمورلنك فهزمه وفض جموعه ورجت العساكر إليه‏.‏ثم بلغ السلطان سنجر سوء سيرة محمد في رعيته وإهماله لأوامر السلطان فسار إليه سنة سبع وخمسمائة فخاف محمد خان غائلته وبعث إلى الأمير قماج أعظم أمراء سنجر يعتذر ويسأله الصلح فشرط عليه الحضور عند السلطان فاعتذر بالخوف وأنه يقف من وراء جيحون ويقبل الأرض من هنالك فأجيب إلى ذلك ووقفوا بعدوة النهر حتى وافى محمد خان بشرطه وسكنت الفتنة‏.‏

  استيلاء السلطان سنجر على سمرقند

كان السلطان سنجر لما ملك سمرقند ولي عليها أرسلان خان بن سليمان بقراخان داود فأصابه الفالج واستناب ابنه نصر خان فوثب به أهل سمرقند وقتلوه‏.‏وتولي كبر ذلك إثنان منهم أحدهما علوي وكان أبوه محمد المفلوج غائباً فعظم عليه وبعث عن ابنه الآخر من تركستان فجاء وقتل العلوي وصاحبه‏.‏وكان والد أرسلان خان قد بعث إلى السلطان سنجر يستحثه قبل قدوم ابنه الآخر فسار سنجر لذلك‏.‏فلما قدم إلى أبيه أرسلان وقتل قاتل أخيه بعث أرسلان إلى السلطان سنجر يعرفه ويسأله العود إلى بلده فغضب لذلك وأقام أياماً‏.‏ثم جيء إليه بأشخاص واعترفوا بأن محمداً خان بعثهم لقتله فغضب وسار إلى سمرقند فملكها عنوة وتحصن محمد خان ببعض الحصون حتى استنزله سنجر بالأمان بعد مدة وأكرمه‏.‏وكانت بنته تحبه فبعثه إليها وأقام عندها وولي على سمرقند حسين تكين ورجع إلى خراسان‏.‏ومات حسين تكين فولي بعده عليها محمود بن محمد خان أخا زوجته‏.‏

  استيلاء الخطا على تركستان وبلاد ما وراء النهر وانقراض دولة الخانية

نقل ابن الأثير هذا الخبر عن اضطراب عنده فيه على أن أخبار هذه الدولة الخانية في كتابه ليست جلية ولا متضحة وأرجو إن مد الله في العمر أن أحقق أخبارها بالوقوف عليها في مظان الصحة وألخصها مرتبة فإني لم أوفها حقها من الترتيب لعدم وضوحها في نقله‏.‏وحاصل ما قرر في هذا الخبر من أحد طرقه أنه قال‏:‏ إن بلاد تركستان وهي كاشغر وبلاد ساغون وختن وطراز وغيرها مما بجوارها من بلاد ما وراء النهر كانت بيد الملوك الخانية من الترك وهم من نسل فراسياب ملكهم الأول المنازع لملوك اليكنية من الفرس‏.‏وأسلم جدهم الأول سبق قراخان‏.‏ويقال سبب إسلامه أنه رأى في منامه رجلاً نزل من السماء فقال له باللسان التركي ما معناه‏:‏ أسلم تسلم في الدنيا والآخرة فأسلم في منامه وأصبح مظهراً لإسلامه‏.‏ولما مات قام مقامه ابنه موسى واتصل الملك في عقبه إلى أرسلان خان بن محمد بن سليمان سبق فخرج عليه قدرخان في ملكه سنة أربع وتسعين وأربعمائة‏.‏واجتمع الترك عليه وكانوا طوائف فكان منهم القارغلية وبقية الغز الذين عبروا إلى خراسان ونهبوها على ما مر‏.‏وكان لأرسلان ابن اسمه نصرخان وفي صحابته شريف علوي اسمه الأشرف محمد بن أبي شجاع السمرقندي فحسن له طلب الملك من أبيه وأطمعه فيه فقتلهما أرسلان‏.‏ثم وقعت بينه وبين القارغلية من الترك وحشة دعتهم إلى الإنتقاض والعصيان واستنجد بالسلطان سنجر فعبر جيحون بعساكره سنة أربع وعشرين وخمسمائة ووصل إلى سمرقند وهرب القارغلية بين يديد‏.‏ثم عثر على رجالة استراب بهم فقبض عليهم وتهددهم فذكروا أن أرسلان خان وضعهم على قتله فرجع إلى سمرقند وملك القلعة وبعث أرسلان أميراً إلى بلخ فمات بها‏.‏وقيل إنه اختراع منه ووضع هذه الحكاية وسيلة لذلك‏.‏ثم ولي السلطان سنجر على سمرقند فلج طمغاج وهو أبو المعالي الحسن بن علي المعروف بحسين تكين كان من أعيان بيت الخانية فلم تطل أيامه‏.‏ومات فولي سنجر مكانه محمود ابن أخته وهو ابن السلطان أرسلان فأقام ملكاً عليها‏.‏وكان ملك الصين كوخان قد وصل إلى كاشغر سنة إثنتين وعشرين وخمسمائة في جيوش كثيفة‏.‏ومعنى كو بلسان أهل الصين أعظم وخان سمة ملوك الترك‏.‏وكان أعور وكان يلبس لبسة ملوك الترك هو مانوي المذهب‏.‏ولما خرج من الصين إلى تركستان إنضاف إليه طوائف الخطا من الترك وكانوا قد خرجوا قبله من الصين وأقاموا في خدمة الخانية أصحاب تركستان فانضافوا إلى كو ملك الصين وكثف جمعه وزحف إليه صاحب كاشغر وهو الخان أحمد بن الحسين بجموعه فهزمه وأقامت طوائف الخطا معه في تلك البلاد وكان سبب خروجهم من الصين ونزولهم ساغون أن أرسلان محمد كان يستنجد بهم ويجري عليهم الأرزاق والإقطاعات وينزلهم مسالح في ثغوره‏.‏ثم استوحشوا منه ونفروا وطلبوا الرحلة إلى غير بلده وارتادوا البلاد واختاروا منها بلد الساغون فساروا إليها وردد عليهم أرسلان الغزو‏.‏ولما جاء كوخان ملك صاروا في جملته حتى إذا رجع زحفوا إلى بلاد تركستان فملكوها بلداً بلداً‏.‏وكانوا ملكوا المدينة يأخذون ديناراً من كل بيت ولا يزيدون عليه ويكلفون من يطيعهم الملوك أن يعلق في منطقته لوحاً من فضة علامة على الطاعة‏.‏ثم ساروا إلى بلاده النهر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة‏.‏ولقيهم محمود خان بن أرسلان خان فهزموه إلى سمرقند وبخارى واستنجد بالسلطان سنجر ودعاه لنصر المسلمين فجمع العساكر واستنجد صاحب سجستان ابن خلف والغوري صاحب غزنة وملوك ما وراء وغيرهم‏.‏وسار للقائهم وعبر النهر في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين‏.‏وشكا إليه محمود من القارغلية فأراد أخذهم فهربوا إلى كوخان وسألوه أن لهم عند السلطان سنجر وكتب إليه يشفع لهم فلم يشفعه‏.‏وكتب إليه يدعوه الإسلام ويتهدده‏.‏ولما بلغ الكتاب إلى كوخان عاقب الرسول وسار للقاء سنجر والترك والخطا والقارغلية فلقيه السلطان سنجر أول صفر سنة ست وعلى ميمنته قماج وعلى ميسرته صاحب سجستان وأبلى ذلك اليوم وساء أثر القارغلية في تلك الحروب وانهزم السلطان سنجر والمسلمون واستمر القتل فيهم‏.‏وأسر صاحب سجستان وقماج وزوجة السلطان ابنة أرسلان خان محمد وأطلقهم الكفار‏.‏ولم يكن في الإسلام وقعة أعظم من هذه ولا أفحش قتلاً‏.‏واستقرت الدولة فيما وراء النهر للخطا والترك وهم يومئذ على دين الكفر‏.‏وانقرضت دولة الخانية المسلمين الذين كانوا فيها‏.‏ثم هلك كوخان منتصف سبع وثلاثين وكان جميلاً حسن الصوت ويلبس الحرير الصيني له هيبة على أصحابه ولا يقطع أحداً منهم خوفاً على الرعية من العسف‏.‏ولا يقدم أميراً على فوق مائة فارس خشية أن تحدثه نفسه بالعصيان‏.‏وينهى عن الظلم وعن السكر ويعاقب عليه‏.‏ولا ينهى عن الزنى ولا يقبحه‏.‏ولما مات ملكت بعده ابنته وماتت قريباً فملكت بعدها أمها زوجة كوخان وبقي ما وراء النهر بيد الخطا إلى أن غلبهم علاء الدين محمد بن خوارزم شاه صاحب دولة خوارزم سنة إثنتي عشرة وستمائة على ما يأتي في أخبار دولتهم‏.‏

  إجلاء القارغلية من وراء النهر

لما ملك ما وراء النهر سمرقند وبخارى جقري خان بن حسين تكين من بيت الخانية وأمره ستة تسع وخمسين طفيلاء الترك القارغلية من أعمال بخارى وسمرقند إلى كاشغر وإلزامهم الفلاحة ومجانبة حمل السلاح فامتنعوا من ذلك‏.‏وألح عليهم جقري خان فامتنعوا واجتمعوا لحربه‏.‏وسار إلى بخارى فبعث إليهم بالوعظ في ذلك والوعد الجميل بخلال ما جمع بقراخان وكبسهم على بخارى فانهزموا وأثخن فيهم وقطع دابرهم وأجلاهم عن نواحي سمرقند وصلحت تلك النواحي والله أعلم‏.‏

  دولة الغورية الخبر

عن دولة الغورية القائمين بالدولة العباسية بعد بني سبكتكين وما كان لهم من السلطان والدولة وابتداء أمرهم ومصائر أحوالهم كان بنو الحسين أيام سبكتكين ملوكاً على بلاد الغور لبني سبكتكين وكانت لهم شدة وشوكة‏.‏وكان منهم لآخر دولة بني سبكتكين أربعة أمراء قد اشتهروا واستفحل ملكهم‏:‏ وهم محمد وشورى والحسين شاه وسام بنو الحسين ولا أدري إلى من ينسب الحسين وأظنهم إلى بهرام شاه آخر ملوك بني سبكتكين والتحم به فعظم شأنه‏.‏ثم كانت الفتنة بين بهرام وأخيه أرسلان فمال محمد إلى أرسلان وارتاب به بهرام لذلك‏.‏ثم انقضى أمر أرسلان وسار محمد بن الحسين في جموعه إلى غزنة سنة ثلاث وأربعين موريًا بالزبارة وهو يريد الغدر به وشعر بذلك بهرام فحبسه ثم قتله واستوحش الغورية لذلك‏.‏مقتل محمد بن الحسين الغوري وولاية أخيه الحسين شاه ثم أخيه شوري ولما قتل محمد ولي من بعده أخوه شاه بن الحسين ثم كانت الوقعة‏.‏وملك بعده أخوه شورى بن الحسين وأجمع الأخذ بثأر أخيه من بهرام شاه فجمع له وسار إلى غزنة سنة ثلاث وأربعين فملكها‏.‏وفارقها بهرام شاه إلى بلاد الهند فجمع عسكره التي هناك ورجع إلى غزنة وعلى مقدمته السلار بن الحسين وأمير هندوخان إبراهيم العلوي‏.‏وسار شورى للقائه فانفض عنه عسكر غزنة إلى بهرام شاه فانهزم وأسره بهرام ودخل غزنة في محرم سنة أربع وأربعين وصلب شورى على باب غزنة واستقر في ملكه‏.‏

  مقتل شوري بن الحسين وولايه أخيه علاء الدين بن الحسين

واستيلاؤه علي غزنة وانتزاعها منه لما هلك شورى بن الحسين ملك الغور من بعده أخوه الحسين ويلقب علاء الدولة‏.‏واستولي على جبال الغور ومدينه بيروزكوه المجاورة لأعمال غزنة من بلاد الهند وهي تقارب في اتساعها بلاد خراسان فاستفحل ملكه وطمع في ملك خراسان‏.‏وسار إلى هراة باستدعاء أهلها فحاصرها ثلاثاً ثم ملكها بالأمان وخطب فيها للسلطان سنجر وسار إلى بلخ وبها الأمير قماج من قبل السلطان سنجر فغدر به أصحابه فملك علاء الدولة بلخ وسار إلى السلطان سنجر وقاتله وظفر به فأسره‏.‏ثم خلع عليه ورده إلى بيروزكوه‏.‏ثم سار علاء الدين يريد غزنة سنة سبع وأربعين ففارقها صاحبها بهرام شاه وملكها علاء الدولة وأحسن السيرة واستخلف عليهم أخاه سيف الدولة وعاد إلى بلاد الغور فلما جاء فصل الشتاء وسد الثلج المسالك كتب أهل غزنة إلى بهرام شاه واستدعوه فلما وصل وثبوا بسيف الدولة وصلبوه وبايعوا لبهرام شاه وملكوه عليهم كما كان‏.‏لما استفحل أمر علاء الدولة واستفحل ملكه استعمل على البلاد العمال وكان فيمن ولاه بلاد الغور ابنا أخيه سالم بن الحسين وهما غياث الدين وشهاب الدين فأحسنا السيرة في عملهما ومال إليهما الناس وكثرت السعاية فيهما عند عمهما بأنهما يريدان الوثوب فبعث عنهما فامتنعا فجهز إليهما العساكر فهزماها وأظهرا عصيانه وقطعا خطبته فسار إليهما فقاتلاه قتالاً شديداً حتى انهزم فاستأمن إليهما فأجلساه على التخت وقاما بخدمته‏.‏وزوج غياث الدين أحدهما بنتاً له وبقي مستبداً على عمه علاء الدولة ثم عهد إليه بالأمر من بعده ومات‏.‏

  وفاة علاء الدولة وولاية غياث الدين ابن أخيه من بعده

وتغلب الغز على غزنة ثم توفي علاء الدولة ملك الغورية سنة ست وخمسين وقام بالأمر من بعده يروزكوه غياث الدين أبو الفتح ابن أخيه سالم وطمع الغز بموته في ملك غزنة فملكوها من يده وبقي غياث الدين في كرسيه ببيروزكوه وأعمالها وابنه سيف الدين محمد في بلاد الغور‏.‏ثم أساء السيرة الغز في غزنة بعد مقامهم فيها خمس عشرة سنة واستفحل أمر غياث الدين فسار إلى غزنة سنة إحدى وسبعين في عساكر الغورية‏.‏والخلج والخراسانية ولقي الغز فهزمهم وملك غزنة من أيديهم‏.‏وسار إلى كرمان وشنوران فملكهما وكرمان هذه بين غزنة والهند وليست كرمان المعروفة ثم سار غياث الدين إلى لهاور ليملكها من يد خسروشاه بن بهرام فبادر خسروشاه إلى نهر المد ومنعه العبور منه فرجع وملك ما يليه من جبال الهند وأعمال الأثغار وولي غزنة أخاه شهاب الدين ورجع إلى بيروزكوه‏.‏

  استيلاء شهاب الدين الغوري على لهاور ومقتل خسروشاه صاحبها

ولما ولي شهاب الدين الغوري غزنة أحسن السيرة فيهم وافتتح جبال الهند مما يليه فاستفحل ملكه وتطاول إلى ملك لهاور قاعدة الهند من يد خسروشاه فسار سنة تسع وسبعين في عساكر خراسان والغور وعبر إليها وحاصرها وبذل الأمان لخسروشاه وأنكحه ابنته وسوغه ما يريد من الإقطاع على أن يخرج إليه ويخطب لأخيه فأبى من ذلك وبقي شهاب الدين يحاصره حتى ضاق مخنقه بالحصار‏.‏وخذله أهل البلد فبعث بالقاضي والخطيب يستأمنان له فأمنه ودخل شهاب الدين البلد وبقي خسروشاه عنده مكرماً‏.‏وبعد شهرين وصل الأمر من غياث بإنقاذ خسروشاه إليه فارتاب من ذلك فأمنه شهاب الدين وحلف له وبعث به وبأهله وولده مع جيش يحفظونهم فلما وصلوا بلاد الغور حبسهم غياث الدين ببعض قلاعه فكان آخر العهد به وبابنه‏.‏

  استيلاء غياث الدين على هراة وغيرها من خراسان

ولما إستقر ملك غياث الدين بلهاور كتب إلى أخيه شهاب الدين الذي تولي فتحها أن يقيم الخطبة له ويلقبه بألقاب السلطان فلقبه غياث الدنيا والدين معين الإسلام والمسلمين قسيم أمير المؤمنين‏.‏ولقب أخاه شهاب الدين بعز الدين‏.‏ثم لما فرغ شهاب الدين من أمور لهاور وصار إلى أخيه غياث الدين ببيروزكوه واتفق رأيهما على المسير إلى هراة من خراسان سار في العساكر فحاصرها وبها عسكر السلطان سنجر وأمراؤه فاستأمنوا إليها وملكا هراة‏.‏وسار إلى بوشنج فملكها ثم إلى باذغيس كذلك‏.‏وولي غياث الدين على ذلك وعاد إلى بيروزكوه وشهاب الدين إلى غزنة ظافرين غانمين‏.‏

  فتح أجرة على يد شهاب الدين

لما عاد شهاب الدين إلى غزنة راح بها أياماً حتى استراحت عساكره‏.‏ثم سار غازياً إلى بلاد الهند سنة سبع وأربعين وحاصر مدينة أجرة وبها ملك من ملوكهم فلم يظفر منه بطائل فراسل امرأة الملك في أنه يتزوجها إذا ملك البلد فأجابت بالعذر ورغبت في ابنتها فأجاب فقتلت زوجها بالسم وملكته البلد فأخذ الصبية وأسلمت وحملها إلى غزنة ووسع عليها الجراية ووكل بها من يعلمها القرآن حتى توفت والدتها وتوفت هي من بعدها لعشر سنين‏.‏ولما ملك البلد سار في نواحي الهند فدوخها وفتح الكثير منها وبلغ منها ما لم يبلغه حروب شهاب الدين مع الهنود وفتح دلهي وولاية قطب الدين آيبك عليها ولما اشتدت نكاية شهاب الدين في بلاد الهند تراسل ملوكهم وتلاوموا بينهم وتظاهروا على المسلمين وحشدوا عساكرهم من كل جهة وجاؤوا بقضهم وقضيضهم في حكم امرأة ملكت عليهم وسار هو في عساكره من الغورية والخلج والخلنجية والخراسانية وغيرهم والتقوا فمحض الله المسلمين وأئخن فيهم الكفرة بالقتل‏.‏وضرب شهاب الدين في يده اليسرى فشلت وعلى رأسه فسقط عن فرسه وحجز بينهم الليل وحمله جماعة من غلمانه إلى منجاته ببلده‏.‏وسمع الناس بنجاته فتباشروا ووفدوا عليه من كل جهة وبعث إليه أخوه غياث الدين بالعساكر وعذله في عجلته‏.‏ثم ثارت الملكة ثانياً إلى بلاد شهاب الدين بالعساكر وبعثت إلى شهاب الدين بالخروج عن أرض الهند إلى غزنة فأجاب إلى ذلك بعد أن يستأذن أخاه غياث الدين وينظر جوابه‏.‏وأقاموا على ذلك وقد حفظ الهنود مخاضات النهر بينهم وهو يحاول العبور فلا يجد وبينما هو كذلك جاء بعض الهنود فدله على مخاضة فاستراب به حتى عرفه قوم من أهل أجرة والملتان‏.‏وبعث الأمير الحسن بن حرميد الغوري في عسكره كثيف وعبر تلك المخاضة ووضع السيف في الهنود فأجفل الموكلون بالمخاضات‏.‏وعبر شهاب الدين وباقي العساكر وأحاطوا بالهنود ونادوا بشعار الإسلام فلم ينج منهم إلا الأقل وقتلت ملكتهم وأسروا منهم أمماً‏.‏وتمكن شهاب الدين بعدها من بلاد الهند وحملوا له الأموال وضربت عليهم الجزية فصالحوه وأعطوه الرهن عليها‏.‏وأقطع قطب الدين آيبك مدينة دلهي وهي كرسي الممالك التي فثحها وأرسل عسكراً من الخلج مختارين ففتحوا من بلاد الهند ما لم يفتحه أحد حتى قاربوا حدود الصين من جهه الشرق وذلك كله سنة ثمان وأربعين وخمسمائة‏.‏

  مقتل ملك الغور محمد بن علاء الدين

قد تقدم لنا أن محمد بن علاء الدين ملك الغور بعد أبيه وأقام مملكاً عليها‏.‏ثم سار سنه ثمان وخمسين بعد أن احتفل في الإحتشاد وجمع العساكر وقصد بلخ وهي يومئذ للغز فزحفوا إليه‏.‏وجاءهم بعض العيون بأنه خرج من معسكره لبعض الوجوه في خف من الجند فركبوا لإعتراضه ولقوه فقتلوه في نفر من أصحابه وأسروا منهم آخرين ونجا الباقون إلى المعسكر فارتحلوا هاربين إلى بلادهم وتركوا معسكرهم بما فيه فغنمه الغز وانقلبوا إلى بلخ ومروا ظافرين غانمين‏.‏

  الفتنة بين الغورية وبين خوارزم شاه على ما ملكوه من بلاد خراسان

رجعا إلى خراسان سنة سبع وأربعين فملكا هراة وبوشنج وباذغيس وغيرها وذلك عند انهزام سنجر أمام الغز وافترق ملكه بين أمرائه ومواليه فصاروا طوائف وأظهرهم خوارزم شاه بن أنس بن محمد بن أنوشر تكين صاحب خوارزم‏.‏فلما كان سنة خمس وسبعين قام بأمره ابنه سلطان شاه ونازعه أخوه علاء الدين تكش فغلبه على خوارزم‏.‏وخرج سلطان شاه إلى مرو فملكها من يد الغز‏.‏ثم أخرجوه منها فاستجاش بالخطا وأخرجهم من مرو وسرخس ونسا وأبيورد وملكها جميعاً وصرف الخطا إلى بلادهم‏.‏وكتب إلى غياث الدين أن ينزل له عن هراة وبوشنج وباذغيس وما ملكه من خراسان وهدده على ذلك فراجعه بإقامة الخطبة له بمرو وسرخس وما ملكه من خراسان فامتعض لذلك سلطان شاه وسار إلى بوشنج فحاصرها وعاث في نواحيها‏.‏وجهز غياث الدين عساكره مع صاحب سجستان وابن أخته بهاء الدين سام بن باميان لغيبة أخيه شهاب الدين في الهند فساروا إلى خراسان وكان سلطان شاه يحاصر هراة فخام عن لقائهم ورجع إلى مرو وعاث في البلاد في طريقه وأعاد الكتاب إلى غياث الدين بالتهديد فاستقدم أخاه شهاب الدين من الهند فرجع مسرعاً وساروا إلى خراسان‏.‏وجمع سلطان شاه جموعاً ونزل الطالقان وترددت الرسل بين سلطان شاه وغياث الدين حتى جنح إلى الصلح وجاء رسول سلطان شاه لإتمام العقد فقام شهاب الدين العلوي وقال‏:‏ لا يكون هذا أبداً ولا تصالحوه‏.‏وقام شهاب الدين ونادى في معسكره بالحرب والتقدم إلى مرو الروذ‏.‏وتواقع الفريقان فانهزم سلطان شاه ودخل إلى مرو في عشرين فارساً‏.‏وبلغ الخبر إلى أخيه فسار لتعرضه عن جيحون‏.‏وسمع سلطان شاه بتعرض أخيه له فرجع عن جيحون وقصد غياث الدين فأكرمه وأكرم أصحابه وكتب أخوه علاء الدين في رده إليه وكتب إلى نائب هراة يتهدده فامتعض غياث الدين لذلك وكتب إلى خوارزم شاه بأنه مجير وشفيع له ويطلب بلاده وميراثه من أبيه ويضمن له الصلح مع أخيه سلطان شاه‏.‏وطلب منه مع ذلك أن يخطب له بخوارزم ويزوج أخته من شهاب الدين فامتعض علاء الدين لذلك وكتب بالتهديد فسرح غياث الدين جميع عساكره مع سلطان شاه إلى خوارزم شاه وكتب إلى المؤيد أبيه صاحب نيسابور يستنجده فجمع عساكره وقام في إنتظارهم‏.‏وسمع بذلك علاء الدين تكش وهو زاحف للقاء أخيه سلطان شاه وعساكر الغورية فخشي أن يخالفوه إلى خوارزم وكر إليها راجعاً‏.‏واحتمل أمواله وعبر إلى الخطا وقدم فقهاء خوارزم في الصلح والصهر ووعظه الفقهاء وشكوا إليه بأن علاء الدين ستجيش بالخطا فإما أن تتخذ مرو كرسياً لك فتمنعنا منهم أو تصالحه فأجاب الصلح وترك معاوضة البلاد ورجع إلى كرسيه‏.‏غزوة شهاب الدين إلى الهند وهزيمة المسلمين بعد الفتح ثم غزوته الثانية وهزيمة الهنود وقتل ملكهم وفتح أجمير كان شهاب الدين قد سار سنة ثلاث وثمانين إلى الهند وقصد بلاد أجمير وتعرف بولاية السواك واسم ملكهم كوكه فملك عليهم مدينة تبرنده ومدينة أسرستي وكوه رام فامتعض الملك وسار للقاء المسلمين ومعه أربعة عشر فيلاً ولقيهم شهاب الدين في عساكر المسلمين فانهزمت ميمنته وميسرته وحمل على الفيلة فطعن منها واحداً ورمي بحربة في ساعده فسقط عن فرسه‏.‏وقاتل أصحابه عليه فخلصوه وانهزموا ووقف الهنود بمكانهم‏.‏ولما أبعد شهاب الدين عن المعركة نزف من جرحه الدم فأصابه الغشي وحمله القوم على أكتافهم في محفة اتخذوها من اللبود ووصلوا به إلى لهاور‏.‏ثم سار منها إلى غزنة فأقام إلى سنة ثمان وثمانين وخرج من غزنة غازياً لطلب الثأر من ملك الهند ووصل إلى برساور‏.‏وكان وجوه عسكره في سخطة منه منذ انهزموا عنه في النوبة الأولى فحضروا عنده واعتذروا ووعدوا من أنفسهم الثبات وتضرعوا في الصفح فقبل منهم وصفح عنهم وسار حتى انتهى إلى موضع المصاف الأول وتجاوزه بأربع مراحل وفتح في طريقه بلاداً‏.‏وجمع ملك الهند وسار للقائه فكر راجعاً إلى أن قارب بلاد الإسلام بثلاث مراحل ولحقه الهنود قريباً من بربر فبعث شهاب الدين سبعين ألفاً من عسكره ليأتوا العدو من ورائهم وواعدهم هو الصباح وأسرى هو ليله فصابحهم فذهلوا وركب الملك فرسه للهروب فتمسك به أصحابه فركب الفيل واستماتت قومه عنده وكثر فيهم القتل وخلص إليه المسلمون فأخذوه أسيراً وأحضروه عند شهاب الدين فوقف بين يديه وجذبوا بلحيته حتى قبل الأرض‏.‏ثم أمر به فقتل ولم ينج من الهنود إلا الأقل‏.‏وغنم المسلمون جميع ما معهم وكان في جملة الغنائم الفيول‏.‏ثم سار شهاب الدين إلى حصنهم الأعظم وهو أجمير ففتحه عنوة وملك جميع البلاد التي تقاربه وأقطعها كلها لمملوكه آيبك نائبه في دلهي وعاد إلى غزنة‏.‏